«من استوى يوماه فهو مغبون» حديث شريف...
ومن بلايا أمتنا في هذا الزمان أن يصبح إهدار الوقت في دنياها صفة ملازمة في أسلوب حياتها.
وعندي أن مسألة - التخلّف - في تاريخنا الحديث ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة الوعي بقيمة - الوقت - وقدسية الوقت..
وكثيراً ما يكون الدافع إلى إهدار العمر ناجماً عن فقدان الإنسان لنعمة التفكير والرؤية والبصيرة، فيستسلم لأهوائه ورغباته بعيداً عن الأهداف النبيلة التي جعلها الله سبحانه وتعالى من موجبات الاستخلاف الرباني للإنسان.
وعلى هذا الأساس نقارب مشكلة ما يضيع من أيامنا التي خرجت من زمام أيدينا، فانحرفنا عن رسالتنا، فتمزّقت وحدتنا فصدمتنا عوائق المسافة بيننا وبين من أخذ بأسباب النهوض وأسباب الحضارة..
وها نحن ندخل سنتنا الجديدة باجترار ما ألفناه من أزمات ومشكلات من دون أن نتقدّم خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح، أعني به الاتجاه المؤمن الذي يربط بين الوقت وبين المسؤولية، فلن تكون هذه السنة إلا مرآة لسنوات طوال زرعناها بالأشواك، فجاء الحصاد على شاكلة ما زرعناه..
فماذا ننتظر من شجرة غرست في تربة غير صالحة؟!!
وماذا يكون مصير الأزهار التي أهملناها، فتركناها تحت جلاميد الصخر والصقيع وفساد المناخ!!
ومن هذا المثال، نبدأ نفهم شيئاً من عوامل مشكلتنا وإخفاقاتنا في قضايا الإصلاح والنهوض بجميع أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إذن نحن أمام سؤال كبير؛ هو سؤال دور الأمة في أن تكون أمة شاهدة، أمة ذات دور رسالي وأخلاقي على هذه الأرض.
ولن يصبح هذا الدور ناجزاً مع غياب وعينا العميق لفلسفة الوقت والمسؤولية من جهة، ومن واقع ارتهان إرادة الأمة لعوامل التبعية والاستلاب من جهة ثانية..
ومن المفارقات المثيرة للحزن وللأسف، إننا لم نزل وحتى اللحظة الراهنة نكابد أزمة عميقة في منهج تفكيرنا الخلاصي، فشطح بعضنا يميناً وشطح بعضنا يساراً، فوقعنا فريسة لعقدة التشكك بمقوّماتنا الذاتية..
في القرن الماضي، حاولنا ألف مرة كي نجيب عن سؤال من أين نبدأ؟!!
وحاولنا ألف مرة أن نجيب عن سؤال أين الخطأ؟!!
فلم نلتفت بعد إلى أن الإرادة تحتاج إلى روح، وأن الروح بحاجة إلى اجتماع، وأن الاجتماع بحاجة إلى دولة لا يلتئم بناؤها إلا بردّ الاعتبار لجدل العلاقة بين الوقت والمسؤولية على قيم التكافل والتراحم والتعاون، وعلى قاعدة: كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.
ما جدوى أن نحتفل بسنة جديدة إذا بقيت مآسينا وعلى جميع الصعد على حالها؟!!
وإذا كان الجمود والانهيار الاجتماعي والفساد المالي والسياسي هي السمات الأبرز لسنتنا الماضية، فماذا نحن فاعلون لنستقبل هذا الوافد الذي نسميه سنة جديدة؟!...
اشتدّ عسف السلطة، فوجدنا الوطن في كارثة.. وأخشى ما أخشاه أن يتفاقم جور الفساد، لنجد أنفسنا بلا وطن..
لقد ارتكبنا خطأ جسيماً عندما جعلنا من قضية الحساب والمحاسبة، قضية سنوية نفتحها من عام إلى عام.. وقد آن لنا أن نؤسس لثقافة محاسبة النفس مع مطلع كل نهار ومغيب كل شمس..
وعلى ميزان هذا الحساب، بوسعنا أن نؤسس لثقافة أن تكون السنة الجديدة عنواناً لولادة إنسانية جديدة فينا، ونمشي معها بالاستقامة الملتزمة بنقد الذات وإصلاح ما فسد من أمورنا بالكلمة الطيبة المباركة، على هدي الإرشاد القرآن الكريم: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}..
سماحة العلامة السيد علي فضل الله / جريدة اللواء