وجَّه مركز "عدالة" خلال السنتين الماضيتين أكثر من رسالة للنيابة العامة في الكيان الصهيوني قال فيها إنَّ ممارسات وحدة السايبر (التابعة لوزارة القضاء وتعمل بتخويل من النيابة العامة) لحذف المحتوى على الشبكة غير قانونية. وأكّد أن وحدة السايبر تضغط على الشركات المزوّدة لخدمات الإنترنت المختلفة لحذف المحتوى الَّذي تعتبر أنه "يمس" الكيان الصهيونيّ.
وجاء في ردّ النيابة على "عدالة"، يوم الخميس الماضي، أنَّ "هذه الممارسات تمت من دون أن تملك الوحدة صلاحية لذلك". وبناءً على ذلك اعتبرتها غير قانونية.
وتشمل الآلية المستخدمة في الوحدة، والتي أسمتها النيابة "تطبيقاً تطوعياً بديلاً للقانون"، توجّهات للشركات المختلفة، مثل فيسبوك وغوغل ويوتيوب، تطلب فيها حذف محتوى أو تحديد انتشاره، وفي أحيان أخرى إقصاء مستخدمين أو تجميد نشاطهم على الشبكة، وقالت النيابة: "هذا نوع من الرقابة تمارسه الوحدة من دون أيّ صلاحية قانونية بعيدًا عن المسار القضائي، وأحيانًا من دون إعلام المستخدم".
وبعد ردّ النيابة، قدّم مركز "عدالة" وجمعية "حقوق المواطن"، يوم الثلاثاء، التماسًا للمحكمة العليا طلبا فيه بوقف هذه الممارسات من قبل وحدة السّايبر. وجاء في الالتماس الذي قدمه محاميا مركز "عدالة" فادي خوري وربيع إغبارية، أنَّ سياسة "التطبيق التطوعي البديل للقانون" تنتهك الحقوق الأساسية للمستخدمين، ومنها حرية التعبير والرأي والحق في مسار قضائي عادل، من دون الاستناد إلى أي صلاحية قانونية أو إيفاء شروط قرار التقييد.
وأشار الالتماس إلى أنه منذ إنشاء الوحدة، ارتفعت طلبات حذف المحتوى وتجميد نشاط المستخدمين من الشركات المزودة لخدمات الإنترنت والمواقع الإلكترونية بشكل كبير. ووفق تقرير النيابة العامة في العام 2018، ارتفعت هذه الطلبات بنسبة 600%، ووصل عددها في العام 2018 إلى أكثر من 14 ألف طلب، في حين بلغت نحو 2,200 طلب في العام 2016.
ومن الجدير بالذكر أنَّ هذا الرقم لا يشمل بالضرورة عدد المحتويات، إذ من الممكن أن يحتوي كلّ طلب عشرات ومئات الروابط والمحتويات المنشورة، وبخاصة أن الغالبية الساحقة من هذه الطلبات (87% منها) قدمت لشركة فيسبوك.
واستجابت الشركات في معظم الحالات لطلبات الوحدة وحذفت المحتوى. وفي السنتين الأخيرتين، تم حذف نحو 90% من المحتويات التي طلبت الوحدة حذفها، سواء بشكل كامل أو جزئي، ومعظم الذرائع كانت "التماهي مع منظمة إرهابية" (73%) أو "التحريض" (26%).
وجاء في التقرير أن قسمًا يكاد لا يذكر (1%) كان تحت ذريعة التحريض على العنصرية وانتهاك الخصوصية، قانون الفيديوهات القصيرة (تعديل رقم 10 لقانون منع التحرش الجنسي)، خرق حقوق النشر، نشر نشاطات الدعارة وغيرها.
ولم تأتِ النيابة العامة في تقريرها على ذكر أي معطيات أخرى حول ماهية المحتويات التي تم تقديم طلبات لحذفها من قبل وحدة السايبر، ورفضت النيابة جميع الطلبات التي تلقّتها حول كشف النصوص أو المنشورات التي طلبت الوحدة حذفها، ليتبيَّن لاحقًا أنَّ الأخيرة لا تملك توثيقًا للمحتويات التي طلبت من الشركات حذفها.
وفي ردّ على طلب حرية معلومات قدّم لوزارة القضاء، رفضت الوزارة كذلك الكشف عن هذه المحتويات، وبرَّرت ذلك بأنَّ "كشف محتويات تشمل تحريضًا على العنف والإرهاب من شأنه أن يمس بالمصالح الأمنية المختلفة".
وبسبب مثل هذه الممارسات، يفقد المستخدم حقّه في مسار عادل يتيح له الدفاع عن محتواه أمام ادعاءات عدم قانونية ما نشره. ونظرًا إلى أنَّ ممارسات وحدة السايبر تشكل انتهاكًا خطيرًا لحرية التعبير من دون أي صلاحية قانونية، طلب الملتمسون من المحكمة العليا إصدار أمر عاجل يجبر النيابة على تبرير هذه الممارسة. وبعد سماع موقفها، يصدر أمر مطلق يحظر هذه السياسة.
وفي تعقيبه، قال المحامي ربيع إغبارية من مركز عدالة: "فكرة أنَّ الدولة أنشأت وحدة تطلب من فيسبوك ويوتيوب وشركات أخرى مزودة للخدمات بأن تحذف آلاف المنشورات والمحتويات وفق هواها، بادعاء مخالفة القانون، سخيفة بحد ذاتها. والأنكى أنها توضع في خانة مخالفة شروط النشر للشبكات والمواقع نفسها، ومراقبتها لا تقع أساسًا ضمن صلاحيات هذه الوحدة".
وأضاف: "فجأة، تتحوَّل وزارةٌ للقضاء إلى وصية على الحقيقة والصدق، وتطلب حذف المحتويات التي لا تستسيغها، من دون الاستناد إلى القانون أو معايير وإجراءات معينة ومن دون أي شفافية. وبدورها، تستبدل الدولة المعايير الدستورية والقانونية بشروط الاستخدام في المواقع والمحاكم بموظفي الشركات، وتحول سلطات القانون إلى ذراع طويلة تراقب مستخدمي فيسبوك. هذا انتهاك لمبادئ سلطة القانون تحت مزاعم مكافحة التحريض والإرهاب، وهو يمسّ بحرية التعبير السياسي، وبخاصة أنه من الواضح أن هذه السياسات موجّهة ضد الفلسطينيين في الأساس".